فهم الواقع اليوم يتطلب منا رؤية واضحة لما يجري في حياة الناس ومعايشة قضاياهم بل ومشاركتهم في أكثر أحوالهم، حتى تفهم الواقع وتفهم الناس من غير تكلف، ولا يحتاج فهم هذا الواقع إلى أعمال كبيرة من التفكير أو البحث في التأويل، لأنه قريب منهم ومشاهد، يعيشونه في كل يوم وفي كل ساعة تمر عليهم من حياتهم، والإنسان المعاصر ـ المثقف والعادي ـ لا يحتاج إلى جهد كبير لمعرفة هذا الواقع، فالأخبار تصل إليه حيثما كان بل وتدخل إليه في مجالسه الخاصة والعامة دون أن يكلف نفسه عناء البحث عنها أو السفر إليها، وما أكثر الأحداث والقضايا المحيطة بواقع الإنسان في هذا العصر سواء ما تتناقلها وسائل الإعلام أو ما يعيشها الإنسان بنفسه ويشعر بها من خلال حياته اليومية أو من اتصاله وتعامله مع الناس.
ولكن هل كل ما وصل إلى الإنسان عن طريق الإعلام أو من كلام الناس أو ما يشاهده من حالهم هو كذلك في الحقيقة واقع الأمر، ولو كان كذلك فلماذا تختلف وجهات النظر ؟ وهل بمقدور كل إنسان أن تكون له رؤيته الخاصة مما يجري حوله ؟ إن غياب الإرشاد والتوجيه الصحيح من ذوي الاختصاص والقائمين على هذا الأمر يؤدي إلى الجهل بالحد الأدنى للمعرفة وغياب الرؤية الواضحة ، وبالتالي إلى ضياع الحقيقة ، وهذا الحال يفسح المجال واسعا أمام الخيال لتصور الأوهام والأباطيل، وقبول الخرافات والأكاذيب ، وهذا ما يجعل الناس يتخبطون في معرفة الواقع على حقيقته ، وعقل الإنسان لا يقف ولا يقنع بعدم المعرفة وأنتم تشاهدون أن كل الناس يتكلمون في كل شيء، فصفحة الكون أمامه مفتوحة ووسائل المعرفة في الإنسان موهبة إلهية لا بد لها من أن تبحث عن مجال تعمل فيه ومعرفة ما في الكون مطلب فطري في النفس الإنسانية لا يمكن كبتها أو حجرها على الإنسان وهذا تتطلب من العلماء وأصحاب الفكر والقلم أن يكون لهم قول واضح وصريح يسمعه الناس أو رأي سديد ينشرونه ليهتدوا به في هذا العصر الذي ضاعت فيه الكثير من الحقائق ، والتبست الأمور على الناس وطغى فيه صوت الباطل على الحق وخلت الساحة من أهل الحلم والعلم وظهر فيها أهل العصبية والجهل ، فصارت فتن حيرت أصحاب العقول وجعلت الحليم فيهم حيرانا .
وهذه محاولة متواضعة لعلها تكشف بعض خصائص هذه الأمة الإسلامية ورؤيتها لأحوال العالم المعاصر وكيفية تعاملها ورؤيتها للكون والحياة والإنسان ، لأن الواقع فعلا يتطلب هذا الكشف وهذا البيان حتى تكون الرؤية واضحة والحجة قائمة على الإنسان لمعرفة غاية وجوده ، والتكاليف المنوطة به ، وكيفية استغلال وسائله الحسية والعقلية والوجدانية فيما سخر الله له في هذا الكون المنظور وما أنعم الله به عليه من نعم الهداية والدين، حتى يعيش في نور اليقين ويُسلِم بمقادير رب العالمين ويَسلم من غوايات الشياطين وتلبيس المضللين.
04 12 2011 القبس